• الأسواق النفطية تراهن على انتعاش الطلب الأمريكي في مواجهة تراجع استهلاك الوقود

    16/03/2020

     أسامة سليمان من فيينا

    تراهن الأسواق النفطية على انتعاش الطلب الأمريكي على النفط بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بزيادة المشتروات لملء مخزون الاحتياطي الاستراتيجي، وعده محللون تحدثوا لـ"الاقتصادية"، أمرا إيجابيا ويمثل بارقة أمل في تجاوز أزمة تراجع استهلاك الوقود.
    في المقابل، يتوقع المحللون استمرار تراجع أسعار النفط خلال الأسبوع الجاري بعدما سجل أعنف مستوى من الخسائر في ختام الأسبوع الماضي، وهي الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، حيث هوى خام برنت 25 في المائة والخام الأمريكي 23 في المائة على أساس أسبوعي.
    وعزا المحللون موجة الخسائر العنيفة إلى سرعة انتشار فيروس كورونا في عديد من دول العالم وعودة شبح التباطؤ الاقتصادي بقوة وتراجع الطلب العالمي على النفط، بالتزامن مع عودة المنتجين للإنتاج بطاقات قصوى بعد تعثر اتفاق خفض الإنتاج بين تحالف "أوبك+" الأسبوع الماضي.
    وأشار المحللون إلى أهمية الإجراءات التحفيزية، التي تتخذها الاقتصاديات الكبرى للتغلب على تداعيات انتشار فيروس كورونا لافتين إلى إقدام السعودية والإمارات على إجراء حزم تحفيز بقيمة 40.6 مليار دولار تهدف إلى دعم اقتصاداتهما في ظل الأزمة العالمية والتراجع الحاد أسعار النفط.
    وفي هذا الإطار، يقول روس كيندي العضو المنتدب لشركة "كيو إتش أي" الدولية لخدمات الطاقة، إن السوق من المرجح أن تستمر في نزيف الخسائر في ظل الأجواء السلبية في الاقتصاد العالمي، التي فاقم من تداعياتها تعثر تحالف المنتجين في "أوبك+" في الاتفاق على تخفيضات إضافية قدرها 1.5 مليون برميل يوميا، ما أدى إلى هبوط الأسعار بأكثر من 30 في المائة.
    وأشار كيندي إلى وجود مخاوف وتوقعات قوية في السوق بأن خام برنت قد ينخفض إلى ما دون 30 دولارا للبرميل، وتسجيل مستويات قياسية لم تحدث حتى في فترة الأزمة المالية العالمية، لافتا إلى الاتساع المستمر في خسائر الطلب نتيجة القرارات المتزايدة بوقف رحلات الطيران بين أغلب دول العالم، خاصة في الشرق الأوسط.
    من جانبه، يرى ألكسندر بوجل المستشار بشركة "جي بي سي إنرجي" الدولية، أن حزم التحفيز الاقتصادي هي إجراءات ضرورية أقدم عليها عديد من دول العالم بهدف دعم جهود الحكومات في مكافحة فيروس كورونا والتخفيف من الآثار المالية والاقتصادية المتوقعة.
    وأضاف بوجل أن الأسعار دخلت موجة هبوطية حادة، خاصة مع توقعات باستمرار البيانات الضعيفة للطلب العالمي، مشيرا إلى أن البيانات الدولية تؤكد أن إجمالي الطلب على المنتجات النفطية في الشرق الأوسط سينخفض على الأرجح 0.6 في المائة على أساس سنوي إلى متوسط 9.7 مليون برميل يوميا في النصف الأول من هذا العام.
    من ناحيته، يعتقد بيتر باخر المحلل الاقتصادي والمختص في الشؤون القانونية للطاقة، أن هبوط الأسعار بشكل حاد خطر يؤثر على الاستثمارات في مشروعات المصب بعد تراجع طلب المصافي نتيجة خسائر فادحة في استهلاك الوقود بعد حظر الطيران والتزام أغلب سكان العالم منازلهم حتى تتم السيطرة الكاملة على انتشار فيروس كورونا.
    وأضاف باخر، أن الآمال معلقة الآن على الطلب الأمريكي لإنعاش السوق ولو بشكل جزئي، وذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن أن الحكومة الأمريكية ستستغل انخفاض أسعار النفط وستشتري "كميات كبيرة" من الخام لملء احتياطي البترول الاستراتيجي في البلاد.
    بدورها، ترى أرفي ناهار المختصة في شؤون النفط والغاز في شركة "أفريكان ليدرشيب" الدولية، أن حجم المخاطر اتسع في الأسواق مع استمرار انتشار الفيروس في أوروبا وعديد من دول العالم، وتفاقم ذلك مع عودة التنافس في الإمدادات بين "أوبك" وروسيا، في ضوء تعثر التوصل إلى اتفاق بين "أوبك+" الذي قاد السوق على مدار الأعوام الأربعة الماضية.
    وأضافت أرفي أن انتعاش الطلب الأمريكي في هذه الظروف أمر إيجابي، ويمثل بارقة أمل في تجاوز الأزمة الراهنة، حيث دفعت أسعار النفط المنخفضة المصافي الأمريكية إلى زيادة مشتريات الخام السعودي، ومن المتوقع أن يبلغ حجم الواردات الأمريكية من السعودية نحو 1.5 مليون برميل يوميا خلال الأسبوع الأخير من مارس بتضاعف ثلاث مرات عن الشهر الماضي.
    وارتفعت الأسعار في معاملات الجمعة الماضي، منتعشة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة ودول أخرى خططا لدعم الاقتصادات الآخذة في الضعف، لكن خام برنت نزل 25 في المائة على مدار الأسبوع، في أكبر خسائره الأسبوعية منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
    وبحسب "رويترز"، ارتفع "برنت" 63 سنتا؛ ليتحدد سعر التسوية على 33.85 دولار للبرميل، بينما ارتفع غرب تكساس 23 سنتا؛ ليغلق على 31.73 دولار للبرميل، وكانت العقود الآجلة للخام الأمريكي قد تراجعت نحو 23 في المائة على مدار الأسبوع، وهي أكبر خسارة لها بالنسبة المئوية منذ 2008.
    واستمدت أسواق النفط والأسهم بعض الدعم من الآمال في حزمة تحفيز أمريكية قد تخفف الصدمة الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا.‬
    وقال فيل فلين؛ المحلل لدى "برايس فيوتشرز جروب" في شيكاغو: "ثمة أمل أن كل هذا التحفيز سيجلب الاستقرار للاقتصاد ويخفف بعض بواعث القلق حيال ضعف الطلب ويبقي على أجزاء من الاقتصاد قوية بما يكفي لدعم أسعار النفط".
    ورفعت شركات الطاقة الأمريكية عدد الحفارات النفطية العاملة للأسبوع الرابع في خمسة أسابيع على الرغم من أن شركة إكسون موبيل قالت إنها ستنضم إلى منتجين آخرين، وتقلص عمليات الحفر الجديدة هذا العام.
    وأفادت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة في تقريرها، الذي يحظى بمتابعة وثيقة، بأن شركات الطاقة أضافت أربعة حفارات نفطية في الأسبوع الماضي؛ ليصل إجمالي عدد الحفارات العاملة إلى 682 حفارا، وهو أعلى مستوى منذ كانون الأول (ديسمبر).
    ويمثل هذا انخفاضا 18 في المائة، مقارنة بالأسبوع نفسه قبل عام حين كان عدد الحفارات العاملة 834 حفارا.
    وقالت "إكسون"، التي يقول محللون إنها تشغل معظم حفارات النفط الأمريكية، إنها ستخفض نحو 20 في المائة من 58 حفارا تقوم بتشغيلها في الحوض البرمي هذا العام، والحوض البرمي الواقع في غرب تكساس وشرق نيو مكسيكو هو أكبر حوض للنفط الصخري في البلاد.
    وفي 2019، تراجع عدد الحفارات النفطية، وهو مؤشر مبكر للإنتاج في المستقبل، بواقع 208 حفارات في المتوسط بعد أن ارتفع بمقدار 138 في 2018 مع قيام شركات التنقيب والإنتاج المستقلة بخفض الإنفاق على أعمال الحفر الجديدة مع سعي المساهمين إلى عوائد مالية أفضل، في ظل وضع تنخفض فيه أسعار الطاقة.
    وخلص مسح لـ "رويترز" إلى أن أسعار النفط تتجه، لأن تقبع قرب المستويات المنخفضة الحالية خلال الأشهر المقبلة، إذ إن تعثر اتفاق بالمنتجين للحد من الإنتاج يضر بسوق مترنحة أصلا بسبب هبوط الطلب الناجم عن فيروس كورونا.
    وخفض محللون في استطلاع الرأي السريع توقعاتهم لأسعار خام برنت إلى 42 دولارا للبرميل في المتوسط هذا العام مقابل 60.63 دولار في المتوسط في استفتاء فبراير الشهري.
    ومن المتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام القياس العالمي نحو 34.87 دولار في الربع الثاني و39.05 دولار في الربع الثالث قبل أن يسترد بعض القوة ويصل إلى 44.08 دولار في الربع الأخير من العام.
    ويتوقع المسح، الذي شمل 21 محللا بلوغ متوسط سعر الخام الأمريكي 30.37 دولار للبرميل في الربع الثاني ونحو 37 دولارا للعام بأكمله.
    وقال إدوارد مويا كبير محللي الأسواق لدى أواندا للسمسرة "انخفاض الأسعار في طريقه للاستمرار لربعي السنة المقبلين على أقل تقدير. وسيحتاج كل من برنت وخام غرب تكساس الوسيط الاعتياد على أسعار نفط تحت الـ30 دولارا".
    وهبطت العقود الآجلة للخام أكثر من 30 في المائة في وقت ما الإثنين الماضي، وهو أكبر هبوط خلال يوم واحد منذ 1991، وذلك بعد أن تعذر الاتفاق بين منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفائها، بينهم روسيا، في إطار ما يعرف باسم "أوبك+"، على مد أجل تخفيضات إنتاجهم.
    في الوقت نفسه، هرع منتجو النفط الصخري الأمريكي إلى تعميق تخفيضات الإنفاق وتقليص الإنتاج المستقبلي، ويضاف تعثر اتفاق "أوبك+" إلى مخاوف تعرض الطلب لضغط بسبب الانتشار العالمي الفائق السرعة لوباء فيروس كورونا، الذي أصاب سلاسل الإمداد بالشلل وأثار نزولا في الأسواق المالية.
    ومن المتوقع أن يمر الطلب العالمي على النفط بأول تراجع فصلي له لأول مرة منذ 2008، إذ يتنبأ أغلب المحللين بانخفاض في إجمالي الطلب العالمي بين 0.8 مليون برميل يوميا وأربعة ملايين برميل يوميا في النصف الأول من 2020، وبالنسبة للعام بأكمله، يتوقع نمو طفيف للطلب عند بين 0.1 مليون و0.5 مليون برميل يوميا.
    من جهة أخرى، يتوقع بنك جولدمان ساكس أن تشهد سوق النفط فائضا قياسيا بنحو ستة ملايين برميل يوميا بحلول أبريل، مع الأخذ في الحسبان الارتفاع الأكبر من المتوقع في الإنتاج منخفض التكلفة، بينما يتسم انخفاض الطلب الناجم عن تفشي فيروس كورونا بأنه "واسع على نحو متزايد".
    وقال بنك جولدمان ساكس في مذكرة بتاريخ 12 مارس: "رد فعل المنتجين مرتفعي التكلفة عند توقعنا لأن يسجل خام برنت في الربع الثاني من 2020 سعر 30 دولارا للبرميل لن يكون كافيا بشكل سريع لتبديد أثر الزيادة الكبيرة القياسية في المخزون، التي ستحدث في الأشهر المقبلة".
    وأضاف محللو البنك أن حدوث قفزة في المخزونات ربما يجبر أيضا بعض المنتجين مرتفعي التكلفة على وقف الإنتاج، إذ إن الأوضاع اللوجيستية للتخزين ربما تتعرض لضغوط.
    وقدر البنك الأمريكي خسائر الطلب بسبب تفشي فيروس كورونا السريع الانتشار عند نحو 4.5 مليون برميل يوميا، بيد أنه أشار إلى بعض المؤشرات على تحسن الطلب الصيني على النفط.
    ونوه إلى أن تراكم مخزونات النفط على مدى الأشهر الستة المقبلة قد يكون مشابها للزيادة، التي وقعت على مدى 18 شهرا في الفترة بين عامي 2014 و2016.
    وأضاف البنك أنه على الجانب الآخر، سيشهد نمو الطلب العالمي انخفاضا بنحو 310 آلاف برميل يوميا في 2021 وسيفوق بفارق كبير أثر أي رد فعل سريع على مستوى الإمدادات من جانب المنتجين مرتفعي التكلفة، على الأخص مع توقعات حاليا بانخفاض إنتاج النفط الصخري بمقدار 900 ألف برميل يوميا في الربع الأول من 2021.
    وأشار جولدمان ساكس إلى أن "أي تصاعد جديد محتمل في التوتر الجيوسياسي في الشرق الأوسط لن يمنع الضغط الهبوطي الناجم عن تراكم سريع للمخزونات ما لم يؤد إلى توقف كبير تاريخي للإمدادات".
    وحول الإنتاج الأمريكي المتوقع، توقع البنك أن "إنتاج النفط الأمريكي سينخفض بأكثر من مليون برميل يوميا من المستويات المرتفعة المسجلة في الربع الثاني من 2020 بحلول الربع الثالث من 2021.. ونعتقد أن الشركات التي تعلن تخفيضات في الإنفاق الرأسمالي تستعد بوجه عام لسعر نفط يراوح بين 30 و35 دولارا للبرميل لفصول كثيرة".
    إلى ذلك، يرى دانيال يرجين خبير الطاقة الأمريكي أن تخفيف الضغط على أسواق النفط الهابطة قد يستغرق وقتا طويلا في وقت يتسبب فيه فيروس كورونا في إلغاء فعاليات عامة وإغلاق المدارس.
    ويدرس مسؤولون في إدارة ترمب عدة سبل لدعم منتجي الطاقة بما في ذلك شراء النفط بالأسعار المنخفضة الحالية لتخزينه ضمن الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، المحتفظ به في مستودعات تمتد على سواحل تكساس ولويزيانا.
    لكن يرجين، الذي يسدي المشورة أحيانا لمسؤولين أمريكيين في مسائل الطاقة، يبدى شكوكا، وقال "لا أرى كيف يمكن استخدام الاحتياطي البترولي الاستراتيجي.. مع كمية النفط المقبلة إلى السوق سيؤدي هذا فعليا إلى تضخم المخزونات، وسيستغرق الأمر وقتا طويلا لخفضها".
    وقال يرجين وهو أيضا نائب رئيس مجلس إدارة "آي.إتش.إس ماركت"، إنه سيكون من الصعب إثبات أن أي أحد يطرح النفط بأقل من قيمته السوقية، وعلى أي حال، فإن إصلاح الأمر لن يكون بين عشية وضحاها.
    ولا يتوقع يرجين انفراجة سريعة، ويضيف "في العادة سيحل الطلب المشكلة بطريقة ما، بسبب أنه سيكون لديك أسعار أقل تعمل كخفض ضريبي وستكون محفزا.. لكن ليس في هذه الحالة بسبب جمود النشاط الاقتصادي".
    وتابع: "أسعار البنزين المنخفضة لا تفعل كثيرا حين تكون المدارس مغلقة، والناس يلغون جميع رحلاتهم، ويعملون من المنزل"، متوقعا تسارع وتيرة اندماج شركات الطاقة، حيث يرى أن "الاندماج سيكون إحدى السبل لكي يخفض الناس التكاليف".

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية